نماذج الأخبار

بالنظر لتعقد العملية الإخبارية وتعدد وجهات النظر إلى مفهوم الخبر في ضوء المعطيات العصرية الجديدة وما أفرزته صناعة الأخبار التي تمر بمرحله حاسمة من التطور، فقد تدارس علماء الصحافة وكتاب الأخبار والباحثون الإعلاميون واقع الخبر في ظل المنافسة الصحفية والتحول الثقافي والاقتصادي والسياسي الذي يشهده العالم اليوم.

قد عقدت عدة حلقات دراسية وندوات علمية في الولايات المتحدة وأوربا وبعض دول العالم الثالث قدمت فيها دراسات ألقت شيئا من الضوء الجديد على مفهوم الخبر وصناعته.

وقد خلص الباحثون إلى طرح لأربعة نماذج للأخبار ذات ملامح وخصائص مميزه وتجسد نظرة حرفية متطورة للعملية الإخبارية وطرائق إعداد الأخبار لتكون صالحة للاستعمال من قبل وسائل الإعلام الإخبارية المختلفة.. وكل أنموذج من هذه النماذج يكشف عن القوى المؤثرة في صناعة الخبر ولكل واحد من هذه النماذج تأثيره ووقعه الخاص في غرف الأخبار لا بل حتى عند جمهورها.

1-أنموذج المرآة

يذهب أنصار هذا الأنموذج إلى أن الخبر يعكس كمرآة واقعا معينا بل عليه أن يؤدي هذه المهمة.

فالصحفيون والمراسلون يراقبون ويتأملون من العالم الذي حولهم ويروون ما يشاهدونه بدقة وموضعية قدر الامكان مثلما تكون المرآة صادقة في عكس الصورة التي تقف أمامها.

أنصار هذا الأنموذج يدافعون عن وجهة نظرهم بالقول نحن لا نصنع الخبر بل ننقله فقط

ومعنى هذا إن القائمين بالأخبار ما هم إلا قناة معلوماتية ينتجها غيرهم وهم يعكسون أي شيء يقع عليه نظرهم وليس لهم أن يقوموا بالصياغة بأي شكل من الأشكال

والواقع إن هذا الأنموذج للخبر تتميز بها وسائل الإعلام السكسونية أو الناطقة بالإنكليزية التي تعتمد الموضوعية في التغطيات الإخبارية ونقول بأن الصحفي يصف الحدث ولا يفسره ولا يشارك فيه.

2-الأنموذج الحرفي

أصحاب هذا الاتجاه من دارسي الأخبار ينظرون إلى صناعة الأخبار على إنها محاولة يقوم بها محترفون ماهرون يقومون بتوليف الأخبار التي يتم اختيارها حسب أهميتها واجتذابها لجمهور وسائل الإعلام ولأسباب اقتصادية، فإن التوجه نحو الجمهور له الإعتبار الأول.. وهذا ما يجعل الجمهور الفيصل الأول في اختيار الموضوع أو الموضوعات التي تحظى بالنشر وهذا معناه إن جمهور وسائل الإعلام هم حراس البوابة فما يقبلونه يرى النور وما يرفضونه يهمل أو يموت.

ومن المعروف أن الصحفيين المحترفين تمرسوا في كيفية مخاطبة الجمهور وتلبية طلباته واجتذاب اهتمامه.. والصحفي المحترف يقاوم الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إخراج الخبر أو الموضوع بالشكل الذي يزيده خدمة لمصالحها وأهدافها ولكن ذلك يجافي الأعراف الصحفية والتقاليد الراسخة في غرف الأخبار.. الصحفي المحترف يرى الخبر

بضاعة متطورة خاضعة للمنافسة فضلا عن كونه خدمة اجتماعية المستفيد الأول منها هو الجمهور.

إن أخلاقيات المهنة وتقاليد الصحافة العالية ومبادئ الاحتراف تعمل عملها في ذهن كاتب الخبر المحترف وهو يحول الأحداث إلى أخبار لها بناؤها وصياغتها ولها جمهورها الذي يتلهف لتلقيها.

3-الأنموذج المؤسساتي

يقوم هذا الأنموذج على نظرية المؤسسة وتقاليدها وتعليماتها وطرائق تعاملها مع الأحداث والأخبار.. ويرى أنصار هو الأنموذج الإخباري إن اختيار الموضوع يبرز من خلال الضغوط التي تخضع لها العمليات المؤسساتية وأهدافها، الإخبارية لها أهميتها الخاصة كذلك الضغوط النابعة من العمليات الفنية لإنتاج الأخبار واعتبارات الكلفة وربح الاتجاه نحو تحقيق الربح وتطبيق الأنظمة القانونية ويبرز الأثر المؤسساتي في الخبر من خلال الدليل الأسلوبي الذي تعتمده كل مؤسسه إخبارية أو صحفية واسعة الانتشار ويتضمن هذا الدليل الذي يسمى أحيانا كتاب اليد تعليمات لغوية وأسلوبية وطرائق معتمدة في التعامل مع الأحداث على اختلاف أنواعها وتقاليد الوسيلة الإخبارية في إعداد الأخبار وتوزيعها.

هناك بعض الصحف التي تعتمد الدليل الاسلوبي لوكالة أنباء اسوشيتد برس AP والذي ترك أثرا واضحا في أسلوب كتابة الخبر، وقد توالت طباعته منذ الستينات وانتشر استخدامه في وسائل الإعلام المختلفة.

إن شيوع استخدام الدليل الأسلوبي إنما يدل على حرص المؤسسة الإخبارية والصحيفة على التمييز وإتقان صنعتها الإخبارية ومراعاة قواعد الكتابة والمعايير الأسلوبية وهذا المسعى في حد ذاته مؤشر على أن كتابة الأخبار أصبحت صناعة متقنة ودقيقة ولها خصائصها المميزة.

4-الأنموذج السياسي

يرى أتباع هذا الأنموذج من الأخبار إن الخبر في أي مكان هو نتاج الميول الأيديولوجية للقائم بالأخبار فضلاعن ضغوط البيئة السياسية التي تعمل في ظلها المؤسسة الإخبارية.

فحين يكون المحيط السياسي ديمقراطية رأسمالية ذات توجهات تتعلق بالرعاية الاجتماعية فإن هذه القاعدة الأيديولوجية تلقي بظلالها على النظرة إلى العالم بشكل منساب في تضاعف كل موضوع فعلي أو متخيل.. فأنصار النظام القائم مثلا يصورون على أنهم أشخاص أخبار أما خصومه فهم سيئون وتقوم وسائل الإعلام بمتابعة الشخصيات ذات الشأن وكذلك المؤسسات الكبرى.

أما الخارجون عن النظام أو ذوو المواقع الدنيا فيتم إهمالهم عموما.

ويتضح هذا الأنموذج في الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام في الدول الاشتراكية حيث يكون هدف الخبر هو تشكيل الرأي العام وفق مبادئ الاشتراكية، وفي هذه الدول تكون مهمة الصحفي مساعدة الدولة أو الحزب الحاكم في تنفيذ السياسات التي تخدم الاشتراكية وتساعد في تنفيذ الثورة.

ففي الصين مثلا ينظر للخبر على أنه معلومات تفيد الحكومة ومثل هذا يقال عن بقية بلدان العالم التي تتباين أنظمتها السياسية وثقافاتها العامة ولذلك يصح القول بأن الخبر هو نتاج البيئة والتقاليد والأيديولوجيات السائدة.

والواقع إن النماذج الإخبارية الأربعة تجسد في نظرتها المختلفة تعقد العملية الإخبارية وتشابك العوامل المؤثرة في إعداد الخبر وتوزيعه في صيغته النهائية.. كما تصور كذلك النظرات المتباينه للخبر كبضاعة معروضة في السوق وكنوع من الخدمة الاجتماعية تقوم بها وسائل الإعلام وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن فن كتابة الخبر على درجة عالية من الدقة والمسؤولية وتقتضي مهارات وخبرات كبيرة قادرة على استيعاب أبعاد العملية الإخبارية والعوامل المؤثرة فيها.